الأربعاء، 2 سبتمبر 2009

المنهج الحركي للسيرة النبوية لـ د.منير الغضبان، عرض وتعليق

بسم الله الرحمن الرحيم


بداية أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل مني ومنكم ما مضى من أعمال الشهر الفضيل خالصة لوجهه الكريم، ويعيننا على المزيد فيما بقي. بما أن رمضان هو محطة الزاد الروحانية، فإن قرائتي الشخصية في هذا الشهر تتركز على كتاب الله عز وجل وما يجلي البصيرة ويزيد الإيمان ويمكن اليقين، ولو قدرت أن أجعلها كلها في كتاب الله لفعلت ولكنها نفسي الضعيفة أداريها.

غرض هذه التدوينة عرض مبسط للكتاب الذي قرأت منه الجزء الأول والثاني هذا الأسبوع، وهو كتاب "المنهج الحركي للسيرة النبوية" للشيخ الفاضل د. منير الغضبان حفظه الله، العالم العامل والداعية المجاهد. هدفي من العرض التعريف بمحتوى الكتاب وتذكير نفسي بفوائده وتشجيع إخواني وأخواتي على تدارسه، وسأضم إلى العرض بعض التعليقات، التي لا أكتبها تعالما وتشدقا وأنا المقر بجهلي ولا أكتبها لتوهمي القصور في فهم مؤلف الكتاب جزاه الله خيرا وأنّا لي هذا وأنا منه بمزلة التلميذ أمام شيخه ومربيه. وإنما أقصى ما فيها أنها مما أقلّب فيه الرأي.


حتى لا يُتوهم أن من عادتي أن تصل قرائتي المنهجية الشخصية لأربعمائة صفحة أسبوعيا فأحب أن أشير إلى أنها في العادة في حدود الأربعمائة صفحة شهريا ولكن رمضان هذا العام يقع ضمن الاجازة الصيفية بعد انتهاء الفصل الدراسي الجامعي الصيفي. وسبب حدها بالأربعمائة هو التزام توجيه الداعيين المبدعين الفاضلين د.طارق السويدان ود.محمد الثويني بأن قراءة 400 صفحة شهريا هو المستوى الأدنى لمن أراد أن يحافظ على مستوى ثقافته.


عودا للكتاب، هو سهل العبارة مفصل المعاني يقع في ثلاثة أجزاء، الحزء منها يقارب المئتي صفحة، وقد طبع الكتاب عشر طبعات، نفع الله أبناء الدعوة بما حوت ومؤلفها بالأجر الجزيل. أروع ما في الكتاب منهجه التحليلي لسيرة سيد الأنام محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام، ومن روعته أنك تزداد حبا وتعلقا به كلما تقدمت في قراءته، تحس روح الرسالة تسري في كلماته المسطرة وترى نور الهداية يشع من معانيها المضمنة. الهدف من الكتاب هو تحديد المراحل المتتابعة للسيرة النبوية وسمات كل مرحلة؛ لأن السيرة النبوية هي التطبيق العملي لرسالة الإسلام، وقام الكاتب حفظه الله بمحاولة تحديد ما يقتصر من سمات المرحلة الأولى على ابتداء الإسلام وما ينسحب على كل الدعوات التجديدية التي تدعوا إلى الإسلام، وربط في اسقاطات لطيفة بين بعض أحداث السيرة فيما واجهه المسلمون في سبيل دعوتهم أيام الرسول صلى الله عليه وسلم مع ما تواجهه الجماعة المسلمة في العصر الحديث. وأبرز السؤال عن مدى إلزامية هذه المراحل والوسائل للجماعة المسلمة التي تشق طريقها لإقامة دولة الإسلام.

وقد وضح الشيخ حفظه الله هذه الأمور في مقدمته بين يدي البحث، وأشار بايجاز إلى تصوره للمجتمع الذي نعيشه والحكم الشرعي المنطبق عليه، وودت لو أنه فصل أكثر، فمن الصعب قبول تبسيط تصوره بهذه الطريقة المقتضبة خاصة مع عظم الأحكام المتعلقة بهذا التصور، فهو مجتمع مسلم، تنص بعض دساتير دوله دون بعض على التزام الشريعة الإسلامية، وفي الدساتير التي نصت: دول عطلت المادة التي تقتضي التزام الشريعة الإسلامية، ودول عملت بها بفهمها الخاص. وفي التي نصت والتي لم تنص: رؤساء يحاربون الإسلام، وآخرون مصلون إنما مشكلتهم في فهم الإسلام بمنظور العلمانية الجزئية بحسب تعريف المفكر د. عبد الوهاب المسيري وهي فصل السياسة والاقتصاد عن الدين ولهم في ذلك علماء اتبعوهم يحملون أوزارهم، وبعض الأنظمة ديموقراطية جزئيا للإسلاميين فيها صولة وجولة، ولو اجتمعوا فيها على خطة لكانت لهم السيادة، فياله من واقع مركب.


ثم عرف المنهح الحركي، بأنه "الخطوات المنهجية التي تحرك بها النبي صلى الله عليه وسلم منذ بعثته حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى". وهو تبصرة للحركة الإسلامية في خطها السياسي للوصول إلى أهدافها. وتصور لهذا المنهج خمس مراحل:


  1. سرية الدعوة وسرية التنظيم، من بدء البعثة حتى ثلاثة أعوام

  2. جهرية الدعوة وسرية التنظيم، وتنتهي في العام العاشر للبعثة.

  3. إقامة الدولة، وتنتهي في بداية العام الأول للهجرة.

  4. تثبيت دعائم الدولة، وتنتهي بصلح الحديبية.

  5. الانتشار والتمكين في الأرض، وهي حتى وفاة الحبيب عليه الصلاة والسلام.

والآن آتي على ذكر المراحل وسماتها


المرحلة الأولى: سرية الدعوة وسرية التنظيم، وسماتها:



  1. الدعوة سرا

  2. قيام الدعوة على الاصطفاء

  3. العمل من خلال ثقافة الداعية ومركزه الاجتماعي

  4. الدعوة العامة، وهذه لا تتناقض مع الأولى إذ الاصطفاء كان من جميع قطاعات المجتمع.

  5. دور المرأة في مرحلة السرية

  6. الصلاة التي لم تخل منها مرحلة من مراحل الدعوة

  7. معرفة قريش بخبر الدعوة، ولكنها لم تثر غضبها لأن المسلمين كانوا منكفئون على ذواتهم، مع ربط هذه الحال بفهم مداهنة بعض الضغاة لأصناف من المتدينين الذين يكتفون من الإسلام بالعقيدة في الضمير والعبادة في المسجد.

  8. المعايشة بين المسلمين وغيرهم

  9. التركيز على بناء العقيدة

  10. الجهر بالدعوة بعد بناء النواة الصلبة، وهنا انتهاء مرحلة سرية الدعوة إلى الأبد، ويستثنى من كان من جنود الدعوة يعمل بأمر قيادتها.


المرحلة الثانية: جهرية الدعوة وسرية التنظيم، ومدتها سبع سنين، وفيها جهرية الرسول صلى الله عليه وسلم ثم بعد حوالي السنتين جهرية المسلمين، وسماتها:



  1. دعوة المقربين

  2. الإعراض عن المشركين

  3. معالم الدعوة الجديد التي تم التركيز عليها وهي: الإيمان بالله الواحد، والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم، والإيمان باليوم الآخر.

  4. الدعوة العامة، التي تشكل الخطر على الجاهلية في اعتبار مساواتها في الأصل البشري

  5. سرية التنظيم، وسرية دار الأرقم

  6. القرآن مصدر التلقي

  7. اللقاء المنظم المستمر

  8. الصلاة خفية في الشعاب

  9. التركيز على الجانب الروحي، حتى يبني الجندي رصيده من حلاوة الطاعة التي تسانده على الطريق.

  10. الدفاع عن النفس عند الضرورة

  11. تحمل الأذى والاضطهاد في سبيل الله

  12. السماح للضعفاء في إظهار تغيير دينهم

  13. محاولة إنقاذ المستضعفين بكل الوسائل، وما فيها من إظهار التعاضد بين أفراد المسلمين

  14. الطريق الثانية للحماية عن طريق الهجرة

  15. البحث عن مكان آمن للدعوة وقاعدة جديدة للانطلاق

  16. الاستفادة من قوانين المجتمع المشرك - الحماية والجوار-

  17. المحاولات السلبية من العدو في المواجهة

  18. المحاولات الإيجابية في الحرب: عمليات الاغتيال والقتل للقيادة

  19. الجهرية الثانية باسلام الصحابيين عمر الفاروق وسيد الشهداء حمزة رضي الله عنهما

  20. إعلان التحدي ودور الشخصيات القيادية فيه، مع عدم التعرض لشعائر الجاهلية من تكسير للأصنام أو إراقة للخمور

  21. ملاحقة العدو لتجمعات المسلمين، واحباط المسلمين لهذه الملاحقة

  22. عبقرية الوفد الإسلامي في حوار الملوك، وتلخصت في حوار النجاشي في: تفنيد عيوب الجاهلية، عرض المبادئ والأسس العامة للإسلام، عرض جوانب الظلم والاضطهاد من المجتمع الجاهلي، عرض الأمل المنشود من الجهة المفاوضة، إغفال نقاط الخلاف والإثارة

  23. لا مساوة على العقيدة، وذلك في الإجابة عن قول المسلمين في عيسى عليه الصلاة والسلام عندما سألهم النجاشي.

  24. إثارة الحرب في صف حلفاء المسلمين، وفشل هذه المكيدة بالحزم والسرية، وأصل الشيخ حفظه الله هنا حكم إخفاء النجاشي لإسلامه.

  25. المفاوضات المباشرة وطرح الحلول السلمية

  26. تحييد بعض الشخصيات والبطون نتيجة المفاوضات

  27. التجمع القبلي لحماية القيادة

  28. الحصار الاقتصادي والمقاطعة العامة لتحطيم الدعوة وحلفائها

  29. التفجرات الجاهلية تحطم الحصار والمقاطعة

  30. دور المرأة في هذه المرحلة جهادة ودعوة وسرية

  31. المقاومة السلمية، وعدم السماح بالثأر ورد الفعل

  32. الاستفادة من العناصر المشتركة بين الإسلام والعقائد الأخرى

  33. عدم التنازل عن جزئية واحدة من أجل الحماية


المرحلة الثالثة: مرحلة قيام الدولة، وسماتها:



  1. طلب المنعة خارج مكة

  2. طلب الإجارة من العدو في مكة

  3. طلب المنعة والحماية لتبليغ الدعوة من القبائل

  4. فشل المساومات، وذلك في التنازل عن مسألة أن الأمر لله يضعه حيث يشاء، وهنا حرر الشيخ حفظه الله رأيه في الديموقراطية في ثلاث نقاط توصل بها إلى تحريمها، وهو أمر لا أسلم به باعتبار الديموقراطية كأداة يحكمها الدستور، حيث توجد الديموقراطية العلمانية واللبرالية والإشتراكية ما المانع من وجود الديموقراطية الإسلامية، أي الديموقراطية في دولة ينص دستورها على المرجعية الإسلامية. وقد كتب علماء الدعوة في هذا يدعم كل رأيه، ولكن الحركة انتهت في معظم الدول إلى الرأي المطالب بالديموقراطية والمزيد من الحقوق والحريات ليتخذوا ذلك سبيلا لإقناع الشعوب باختيار تحكيم الإسلام، ولا أعلم عن الرأي المعاصر للشيخ حفظه الله.

  5. توجيه الأنظار لمركز الإنطلاق

  6. البيعة الأولى وقيمها الجديدة، وأنها تركزت على البناء الداخلي ولم تشتمل على فكرة الحرب

  7. الإذن بالقتال

  8. التهيئة لمباحثات قيام الدولة، التنظيم والسرية والاستعانة بالموالين من غير المسلمين

  9. البيان السياسي (البيعة)

  10. توثيق البيان وإقراره

  11. تشكيل الحكومة الإسلامية بالانتخاب

  12. القيادة تحت المعركة، استعاد القاعدة وحكمة القيادة

  13. القيادة تحت ميلاد الدولة الإسلامية

  14. ابتداء الحرب الإعلامية بين الدولتين

  15. اختيار الأرض وسرية التجمع فيها والهجرة إليها

  16. اجتماع العدو للقضاء على القيادة

  17. عبقرية التخطيط البشري في الهجرة، فيها مبحث رائع في إعطاء الأمان لسراقة وهو العدو قريب العهد

  18. قاعدة جديدة تنضم إلى الإسلام، قبيلة أسلم

  19. أول إعلان رسمي لشعائر العبادة

  20. نجاح الخطة ووصول القائد الأعلى إلى مركز القيادة




وأما الآن فنأتي إلى الجزء الثاني


ويتناول مرحلة تأسيس الدولة، وتنتهي بغزوة الخندق، وسماتها:



  1. الهدنة مع الأعداء ما عدا قريشا وحلفاءها، وهنا حينما أفاض الشيخ د. منير الغضبان في حديثه عن الهدنة مع الأعداء ما عدا قريش وحلفاءها قال في ختامها ( فلا تجد الحركة الإسلامية على ضوء هذه السمة حرجا في أن تحالف منن شاءت وتحارب من شاءت إلى أن تصبح قادرة على تطبيق الإسلام كاملا بالنسبة للمشركين، إما الإسلام وإما القتل، وعليها أن تفي بعهوها مع هذا الحليف ) وكم يصعب علي التغاضي عما أفهمه من تناقض هنا، فماذا بقي من عهودها معهم بعد هذا التخيير! وأين نص رسول لله في نقضه لعقد مشركي الأوس والخزرج؟ أو أين اجبارهم على الإسلام بحد السيف؟ أولم يقتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على إلغاء الإعلان بشعائرهم بتكسير أصنامهم في المرحلة الأخيرة بعد التمكين للدولة الإسلامية! هذا فهمي القاصر، فهل من مصحح!

  2. بناء القاعدة الصلبة

  3. إعلان إسلامية الدولة

  4. لا خيار من المعركة

  5. التجمع الوثني في المدينة

  6. تفتيت التجمع بالنزعة الوطنية والشعائرية، وما أجمل ما طرح الشيخ في كيفية التعامل مع العدو الداخلي، وكيف أنه قد لا يكون ذلك باستئصاله ولا باعتباره أولى من غيره، مستأنسا بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مشركي ابن أبي بن سلول. وما أجمل إشارته إلى اعتبار رسول الله صلى الله عليه وسلم لحق أخوة النسب ومخاطبته لمشركي يثرب بها في مقابل مشركي قريش.

  7. محاولة تفتيت الصف الإسلامي

  8. العدو يتنكر لقيمه من أجل مصلحته

  9. الخطر على القيادة

  10. حالة الحرب، وتجمع القوى كلها ضد المسلمين

  11. إعلان الحرب على العدو

  12. التميز الإسلامي قبيل المواجهة

  13. المواجهة الحاسمة في بدر والفرقان فيها

  14. معسكر المنافقين، بروزه وخطره وتحجيمه

  15. الوجود اليهودي في المدينة وانهاؤه، وهو فصل طويل، وتعرض فيه الشيخ منتقدا للتفريق بين اليهود والصهاينة بحجة أن مآلهم في النهاية مجتمعين على الإسلام وأهله، وفي رأيي ليس لهذا وجاهة؛ حيث أننا نسالم من سالمنا ونعادي من عادانا ولا نحكم بتخوين مع غير القرائن المعاصرة، وليس سلوك الأجداد قرينة للحكم على المعاصرين، فلا تزر وازرة وزر أخرى، ولا يخفى في عصرنا اليهود المعاصرين المعادين لقيام الكيان الصهيوني وأفعاله واصطفافهم مع المسلمين في مؤتمراتهم ومظاهراتهم، ولا يعني ذلك عدم أخذ الحيطة والحذر.

  16. ليل المحنة الطويل وخطره

  17. تباشير النصر في قلب المحنة

  18. عمليات الاغيال وأثرها في بث الرعب في صفوف العدو

  19. الحرب الإعلامية ودورها في المعركة

  20. ازدياد العدد والعدة

  21. الجهد البشري في البذل

  22. دور النساء في المعارك ومشاركتهن فيها

  23. عبقرية التخطيط القيادي

  24. النصر الإلهي في قلب المحن، وإن قصة إسلام نعيم بن مسعود وتكليفه في نفس اليوم يوم الخندق لتستحق التأمل.

  25. التربية الإلهية للنفوس عقب المعارك

يبقى الجزء الثالث الذي يتناول الجهاد السياسي وانتصار الرسالة، ولا أظن من قرأ الجزئين الأوليين بمتردد في قراءة الثالث. وختاما أنصح ببقية كتب الشيخ د. منير غضبان وخاصة أقربها على قائمتي الخاصة سلسلة المنهج التربوي للسيرة النبوية، والتي هي كما أشار حفظه الله تمثل قمة نضجه بالإضافة إلى أنها تعتني بالبناء الداخلي، بارك الله في علمه وعمله، وجزاه عني وعن شباب الدعوة خير الجزاء.


هذا والله أعلم وأحكم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


هناك تعليقان (2):

منطلقة بطموحي يقول...

ما شاء الله عليك ..

الله يوفقك و يحفظك اخي الكريم :)

دمتَ مبدعا مثقفا ..

أبو أسامة يقول...

جزاك الله خيرا أختي منطلقة
ودامت القراءة متعة بناءة (: