الأربعاء، 10 ديسمبر 2008

الأسس البنيوية لفكر الحداثة الغربية

بسم الله الرحمن الرحيم

تلخيص كتاب
الأسس البنيوية لفكر الحداثة الغربية
د. محمد عادل شريح
دار الفكر – 2008
مقدمة
الحد الفاصل بين العصور الوسطى والأزمنة الحديثة هو العام 1500 تقريبا. والتغيرات الفكرية التي حدثت بين هذين العصرية نقلت الحضارة الغربية ومن بعدها الإنسانية نقلة نوعية كبير، حتى صنعت الحضارة الغربية الحديثة ما هو أقرب إلى الخروج من التاريخ وانكسار الزمان عن مساراته.
وإن توسع الحضارة الغربية واحتكاكها بالعالم العربي طرح التساؤلات عن ماهية الذات والهوية الحضارية وتحديدها، والسبب في ذلك الشعور بأن الحضارة الغربية تسعى دائما نحو نفي الآخر وابتلاعه والحلول مكانه، وهذا ما ترفضه الشعوب والحضارات الأخرى وخيار الجزء الأكبر من جسمنا الاجتماعي هو أن نكون، وهذا هو الذي أدى إلى عدم قدرة المستغربين على الاندماج العضوي في المجتمع الأم وإن حملوا رغبة صادقة لذلك. وفسر الكاتب هذا بما سيصل إليه في تسلسل كتابه من أن الحضارة الغربية ولعوامل ذاتية داخلية مرتبطة بالبنى الفكرية القائمة عليها هذه الحضارة، كانت عاجزة عن التفاعل الإيجابي والتجانس مع الحضارات الأخرى.
وقبل تحديد الموقف من هذه الحضارة يجب أن نفهم مرتكزاتها، وعليه إذا كان من المناسب التعامل معها بالانتقائية دون رفضها كليا أو قبولها كليا. وقد تطور فكر الحداثة الغربية في المراحل التالية.
الإنسانوية Humanism (ليست الإنسانية Humanitarianism)
وكانت مناخا مهيمنا عبر عن نفسه من خلال الأدب والأخلاق أكثر منه من خلال المذهب الفلسفي المتكامل حيث كان دافعه الثورة على الفكر المسيحي والتحرر من أي سلطان وتثبيت الفردية المطلقة. وهذا ما يجعل فساد أخلاق رجل النهضة جزء من نزعته الفردية التي ترفض وجود أي مستوى أعلى من مستوى الوجود الفردي بحيث تجعل الإنسان مقياس كل شيء. وهذه الفكرة في أن على الإنسان أن يضع معاييره الخاصة للخطأ والصواب، والخير والشعر والجميل والقبيح، هي مضمون الليبرالية. وباختصار فإن الإنسانوية هي تأليه الإنسان.
العقلانية Rationalism (الحديثة)
إذا كانت الإنسانوية هي الدين الجديد فإن العقلانية هي الكنيسة المقدسة لهذا الدين. وتتمثل في أن كل موجود معقول، وكل معقول موجود، ومنها عبارة "أنا أفكر إذن أنا موجود" فما يقر بوجوده الفكر موجود، وما يقر بعدمه غير موجود. وهي العبارة الديكارتية التي جعلت الإله معتمدا في وجوده أو عدم وجوده على ما تقره الذات المفكرة، وهذه الفكرة التي نبع منها السؤال الإلحادي: هل خلق الله الإنسان؟ أم أن الإنسان هو الذي خلق الله؟
وهذه العقلانية الحديثة أثبتت الفردية أساسا للعملية المعرفية فنفت المعرفة النبوية عن طريق الوحي بحصر المعرفة الإنسانية بالمعرفة العقلية المستقلة أو المقرونة بالحس والتجربة. وانتهت العقلانية إلى نفي المعرفة ذاتها بجعل المعارف التي عندنا ليست إلا تصورات وتكييفات عقولنا لذواتها الغير قابلة للمعرفة، ومن ثم إلى تعميم الفهم المادي على الإنسان مما أدى إلى فصل النفس عن العقل، الذي ربط المعرفة بنتائجها العلمية وفصلها عن الأخلاق.
الطبيعية Naturalism و التأليه الطبيعي Deism
وهي المذهب الفلسفي في أن الطبيعة هي الوجود كله، وأن لا وجود إلا للطبيعة، أي الظواهر المادية في عالم الحس والتجربة، مما يعني استبعاد كل مؤثر يجاز حدود هذه الطبيعة، وهذا الذي ينفي تدخل إله في هذا حركة الكون ولكنه يحافظ على اعتقاده بأن إله هو الذي أعطاه الدفعة الأولى ليستمر في الحركة ضمن القوانين التي وضعها سابقا. ويقربونه بمثال صانع الساعة والبندول الذي يحتاج للدفعة الأولى ليستمر في الحركة. وهي المرحلة الانتقالية نحو الإلحاد والمادية.
التقدمية Progress
وهي استبدال لمبدأ العناية الإلهية الذي يسير العالم ضمن القوانين التي وضعها بمبدأ آخر أطلق عليه قانون التقدم الذي يشترطون له استمرارية الزمان. وبدلا من أن المحرك في المبدأ الإلهي هو الوصول للفردوس، المحرك هنا هو الوصول للفردوس الأرضي الذي سيحققه الإنسان بتقدمه. وبهذا يكون التهميش للوجود الإلهي والتثبيت للمادية والفهم المادي. والدليل أن هذا التقدم أعطى ثماره في انجازات مادية فقط، والتي استيقظ بعض المفكرين الغربيين على آثارها الجانبية وأخذوا يتحدثون عن أزمة الحضارة المادية وما قادت إليه من أزمات اجتماعية وأخلاقية.
ويذكر أن التقدمية فقدت بريقها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بعد أن لعبت دورها في استكمال رسم الصور المادية للوجود، إلا أنها ما زالت شديدة الانتشار في بلادنا.
الوضعية Positivism
وهي محاولة لمنهجة وتثبيت الفكر الإنسانوي، وهي مذهب فلسفي يتمثل في رفض الفلسفة لتأكيد إنكار ما وراء الطبيعة، والاعتماد على العلوم التجريبية من أجل المعرفة الحقيقية، ونتاجها أن نقصر اهتمامنا على (العالم) الذي نؤثر فيه والذي تقتضي مصلحتنا معرفته، وتحول السؤال الأساسي للعلم من لماذا إلى كيف من خلال الحساب والتجربة.
المادية Materialism
وهي المحصلة النهائية للفكر الحديث. وتتمثل في أن الوجود الحقيقي هو الوجود المادي ولا وجود لأي شيء ما لم يكن ماديا أو ناتجا عن المادة، والمادية سرمدية كانت منذ الأزل وستبقى. فلا حاجة للإله لأنه وهم، حيث لا يملك كتلة وثقل وليس نتاجا لهما، وكذا الروح فهي خرافة.

ومن ثم يشير الكاتب إلى أن الضارة الإسلامية في العصور الوسطى على الرغم من كل التناقضات السياسية والصراعات إلا أنها لم تلغ هامش الحوار والتفاعل الإيجابي المتبادل مع هذه الحضارات دون أن يؤدي ذلك إلى تهديد الهوية الحضارية لأحد؛ لامتلاكهم جميعا فهما هيكليا واحدا للكون والطبيعة والإنسان، على الرغم من الاختلاف التفصيلي. أما الحضارة الغربية الحديثة التي تفردت بنظرتها المادية ألغت هامش الحوار نهائيا.

والمادية في الحضارة الغربية وإن تراجعت كمذهب فلسفي إلا أنها ما زالت موجودة كعصب فكري. فهي في العلوم الحديثة تتمثل في حصر اهتماماته كلها في إطار العالم الحسي ( المنهج التجريبي والطريقة الاستقرائية التي أبرز ما يميزها رفض قواعد عامة وحقائق ثابتة في الوجود ينطلق منها الذهن البشري )، وكذلك النزعة التحليلية التي قسمت العلم وجزأته فروعا لا متناهية لخدمة الصناعة لا الحقيقة الكلية. وفي العلاقات بين الشعوب والحضارات علاقة مادية تقوى وتضعف بتغير حجم التبادل التجاري، وعليه العلاقة بين الأفراد على أساس نفعي مادي.
الخاتمة
نخلص إلى تحديد الموقف من الحضارة الغربية في أننا نرفض الدعوة التوفيقية الوسطية من الفكر والحضارة الغربية لأنها منظومة متكاملة يكمل بعضها بعضا ويقود بعضها إلى بعض، ونحن لا نعاني من نقص في ذاتنا ومكونات هويتنا وإنما نمتلك مفاهيمنا الكلية الخاصة والمتكاملة للكون والطبيعة والإنسان والمعرفة والمجتمع والتاريخ. إلا أننا بحاجة إلى استيعاب الفكر الغربي ودراسته استنادا إلى منطلقاتنا الفكرية بعد التحرر من الدوران في فلك هذا الفكر، والنظر إليه بنظرة نقدية. وإن القيمة الحقيقية لأي حضارة تقاس بما توفره هذه الحضارة من شروط تحقق غاية الوجود الإنساني على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة، ومن هذا المبدأ علينا السعي إلى تقديم حلول للأزمات المعرفية والأخلاقية والروحية التي أنتجتها الحضارة الغربية وعملت على تعميمها وعولمتها، مع استيعابنا للأسباب والظروف التي أدت إلى هيمنة هذا الفكر.
وبذلك سيحول الموقف الرافض من رفض سلبي عاجز ومكابر إلى رفض بناء ومؤسس لرؤية حضارية خصوصية مستمدة من إدراك شمولية الرسالة المحمدية الإسلامية.

هناك تعليقان (2):

オラアルス يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رائعة هذه الإفادات عن "الأسس البنيوية لفكر الحداثة الغربية"

اضفت إلي معلومات طيبة بارك الله فيك اخي ابو أسامه

جزاك الله خيرا على هذا البوست القيم

وأود شكرك على كلمتك الرائعة في الجامعه الامريكية حول غزة.
تحية مغلفة بالمسك لشخصك النبيل
وليس بمستغرب عن من ينتمون لمؤسسة ركاز لتعزيز الاخلاق هذه الحمية لدين الله ولأهل هذا الدين.
حقيقة لكم كل الشكر على هذه الحملات الأخلاقية القيمة الصيّبة النافعة والحمدلله
تقبل مروري الأولي لمدونتك الطيبة
اختك من فريق تطوير طريق الإيمانEmanWay
شموخ الإسلام

أبو أسامة يقول...

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حياك الله أختي شموخ الإسلام، وأسأل الله أن يجعل فهمنا لمثل هذه الأمور حجة لنا لا علينا.

وأما بالنسبة لكلمة الجامعة الأمريكية فهذا من القيام بما يستطاع فأسأل الله الإخلاص والقبول.
ونجاح ركاز بانتشار الإيمان بدعوتها بين أمثالكم من أبناء الأمة.
وجزاكم الله خيرا على جهودكم في طريق الإيمان
وحياك الله في المدونة بتعليقاتك وملاحظاتك.