الاثنين، 28 يوليو 2008

احتراما للتخصصية وللمرحلية

بسم الله الرحمن الرحيم

احتراما للتخصصية وللمرحلية

من المبادئ التي يتخذها المبدعون أنهم لا يسلمون عقولهم لمن يفكر عنهم. ومذهبهم هذا يتوافق مع حكمة الله بربط التكليف بالعقل ورفعه عن المجنون، وكذا فعل القانون إذ حاسب وأدان الراشد وعالج واحتوى القاصر، وحتى يصح مذهب هؤلاء المبدعين يجب أن يقترن مع احترامهم التخصصية والمرحلية.

أما احترامهم للتخصصية فيكون بأن يدع كلٌ ما لا يحسن لمن يحسن، وهذا اقتباس من قاعدة للدعاة ذكرها أ.د. محمد أبو الفتح البيانوني. وغالبا ما يذكر عليها مثالا مفاده أنه كما أنه لا يتدخل الصيدلاني في تشخيص الطبيب للمرض، لا يتدخل المحدث في الحكم الذي استنبطه الفقيه، وإن كان من المطلوب أن يفهمه. ومن باب أولى أن لا يتدخل الطبيب في المسائل العلمية الشرعية ولا يتدخل الشرعي في التشخيصات الطبية. وعلى هذا فقس مع أسفك على أن شاع احترام كل التخصصات إلا التخصصات الشرعية.

وأما احترامهم للمرحلية، فهو من باب سنة التدرج والنمو طورا بعد طور في شؤون الحياة، وعندي علميا أن الإنسان يمر في أيِّ علم بأربع مراحل:
يبدأ بالتلقي لأساسيات العلم، وهي بداية مرحلة التقليد إذ لا تقليد بلا علم، وقبلها الإنسان جاهل تائه بالنسبة لذاك العلم.
ثم ينتقل للاستشكال في نواحيه وكما قيل "من لم يستشكل لم يتعلم". وفي نظري الاستشكال يزيد الفكر رشاقة والعلم فهما.

بعدهما يصل مَن تدرج وسعى بعون الله إلى:
الاستقلال في الفهم، بأن يكوِّن فهمه الخاص للمسألة وتطبيقاتها وطريقة قياسها فيرجح بين أفهام من سبقوه ويجمع بين ما ينتظم منها وفق أصول ذلك العلم.
وهذه هي بداية مرحلة النضج الفكري فهي دلالة على المراهقة الفكرية التي تحصل حين الانتقال من طور التلقي والتقليد إلى طور الابتكار والاجتهاد، كما أن المراهقة النفسية دليل على الانتقال من الطفولة إلى الرشد. ويناسب أن أذكر أنها قد تطول أو حتى لا تنتهي، كيف لا وقد سمعنا عن مراهقات الشيخوخة. ولضبط هذه المرحلة أستعير عبارة الشيخ محمد الحامد رحمه الله حين قال بوجوب المذهبية الفقهية حسما للفوضى الدينية، وأقول بـوجوب المرجعية الأصولية توجيها للمراهقات الفكرية. لا أقصد بالمرجعية الأصولية أن يعود الانسان مقلدا، وإنما أن لا يستقل بفهم حتى تنضج تصورات الآخرين عنده عن موضوع بحثه فلا يقع بأن يظن أنه يأتي بالجديد وهو قد أعاد القديم، ثم بأن يربط استنباطاته بمآخذها من أصول العلم ويستشهد لتركيبة خلاصة فهمه بأفهام من في العلم سبقوه.
وأخيرا تأتي مرحلة الاستقلال في الاجتهاد، وهي غالبا مرحلة من بلغ الأربعين في فنه، بعد أن نضج العلم ومتعلقاته من العلوم الأخرى في فكره، وخَبِرَ تطبيقاته وملابساتها في واقعه، حينها يستقل بالاجتهاد بأن يبتدع في المناهج التحليلية والتطبيقية ويكون له مذهبه بأصوله وقواعده ونتائجه، ويرجع إليه ليستشهد بأصوله المختارة وقواعده المستنبطة ونتائجه المقررة.
ختاما أحب أن أشير إلى أنه عند النقاش بين من هم في المرحلتين السابقتين، ليس من المهم أن يقتنع أحدهما بفهم الآخر لتحصل ثمرة النقاش، بقدر ما هو من المهم أن يفهم كلٌّ الآخر بالشكل الصحيح عند الالتقاء، ليحصل التعايش المفضي إلى التعاون.

هذا وأسأل الله التزاما يضبط سيرنا نحو رضاه.

هناك 10 تعليقات:

غير معرف يقول...

اتشرف بان اون من اوائل المعلقين على افكارك.
حقيقة لست من هواة التعليق في المدونات ولكن اول ما شدني شغارك الجميل )حرية الانتماء ، ضرورة الالتقاء) وكأن هذا ما كنا نفكر به ولكن لم نكن نحسن صياغتها بعباره كما صغتها انت .
اوافقك في كثير من آراءك وارغب في الاطلاع على المزيد لعلي اسعد بالاختلاف معك :).

أبو أسامة يقول...

وأنا تشرفت بتعليقك
وأما بالنسبة للشعار، ليست أهمية نسبتها لأحدنا بقدر ما هي أهمية الاتفاق عليها.
وأعدك أن لا أكون أقل منك سعادة بنقدك البناء.
دمت سعيدا

Abdulrahman Alebrahim يقول...

الكريم ابو اسامه

مقالك جميل ولدي تعقيب اذا سمحت لي على جزئيه الاستقلاليه الفكريه.

الاشكال اننا اليوم في العالم العربي مقلدون وقله منا هم المفكرون الذي يستخدمون جزءا من عقولهم وقله من هؤلاء المفكرين من يحاول استحداث شيء جديد .

اتخاذ القدوه ليس عيبا ولكن التسليم له والاستمامته في الدفاع عنه حتى وان كانت انفسنا ترى فعله خطأ هنا الخلل.

التربيه التعليميه سواءا اكانت في المنازل أو في المدارس أو في حلقات العلم المختلفه من ادبيه وشرعيه وسياسيه وحتى فنيه تعلمنا الخضوع الديكتاتور الاكبر.

الديكتاتور الاكبر كما احب ان اسمي اصحاب السلطه علينا من اب ومدرس واخ كبير ومعلم ومدير وغيرهم هم يمارسون سياسه القمع دون ادارك منهم بأنهم يهمشون شخصياتنا وابسط مثال على ذلك اختيار الاسره لتخصص ابنائها وغالبا ما يكون اختيارا فاشلا وفشل الاب أو الام في حياتها يكون سببا في دفع الأولاد نحو هوايه فقدان الهويه.

ربما استطردت قليلا ولكن احترام التخصصيه مطلب ان كان هناك عقل واحترام للعقليه المقابله او التي تقل عنا :)

بو اسامه انا استمتع بقراءه مقالاتك فبارك الله فيك

أبو أسامة يقول...

أخي رجل يحمل المشاعر
استمتع بقراءة تعقيبك.

"مقلدون وقله منا هم المفكرون"
وهذا ما نطمح أن يزيد، ولكن لا نريدها مجرد زيادة في الكم على حساب النوع، نعم نريد مجددين ومستقلي التفكير، ولكن نشرف بهم بعد تدرجهم وعند تخصصهم. وليس التجديدأن تأتي بالغريب أو أن تنسف المراجع والأصول.

لقد كان لتدوينتي هذه هدفين هما:
الأول: الإشارة إلى المراحل الأربع في الخوض في العلوم حتى لا يقف من غلب عليهم التقليد عند المرحلة الثانية.
والثاني: الإشارة إلى أن الاستقلال في الاجتهاد هو مرحلة رابعة بعد الترجيح الذي هو الاستقلال في الفهم. وضرورة أن يكون الترجيح ضمن المراجع والأصول. وهذا الهدف لما كان من سلوك مررت به ورأيته من بعض إخواني من سلوك مسلك المستقل في الاجتهاد ظنا منه أنه ينبذ التقليد ويمارس الابداع والتجديد، وفي الحقيقة لم يجاوز ما يقوم به حدود المراهقة الفكرية. فترى أحدهم ينادي بالعلمانية الجزئية، وآخر برفض الاجماع، وثالث برأي خاص في الحجاب، ورابع وخامس إلى آخر السلسلة من المراهقات الفكرية.

"اتخاذ القدوه ليس عيبا ولكن التسليم له"
صدقت، وأحب أن أضيف أن عدم التسليم لا يعني إنكار الفضل والجميل، بل نحفظ الود ونحسن الأدب، مع استشكالنا واستقلالية فهمنا.

دمت مستمتعا

غير معرف يقول...

يعطيك العافية المدونة جدا مفيدة وجادة عكس ما نشوفه بمدونات الكويتيون الي للاسف يتكلمون بأمور التوافه اكثر من الجد

رَبِيْـــعُ كَـــاظِمَــــةَ يقول...

ابو اسامة ضروري أضف ايميلي


ابيك ضروري


s3d_al3jme@hotmail.com

الحارث بن همّام يقول...

طيب يا طيب ..

اظن اني ما زلت في مرحلة التقليد .. الله يرحم الحال

أبو أسامة يقول...

أخوي q8diet
يعطيك العافية على مرورك
قد سعدت بشهادتك وأنت أحد أصحاب المدونات النافعة الناجحة.

أبو أسامة يقول...

أخوي ربيع كاظمة -بو ثقل-
حياك الله
نادرا ما أدخل على برنامج المحاثة وهذا أمر موسمي بالنسبة لي، والآن حصل المقصود رقمي عاد لقائمت نقالكم المباركة :)

أبو أسامة يقول...

حيا الله الحارث بن همام

هذا من طيبك
قلت
"اظن اني ما زلت في مرحلة التقليد"
أدري متواضع الله يجزيك الخير :) مو علينا