الأحد، 14 يونيو 2009

لنقف عند الالتزامات مع باراك أوباما

بسم الله الرحمن الرحيم

لنقف عند الالتزامات
-
طبيعي أن يتحرك الرئيس الأمريكي باراك أوباما ضمن السياسات والاستراتيجيات التي نجح في الانتخابات على أساس التبشير بها، ولذا يفترض أن تعكس خطاباته كرئيس للولايات المتحدة هذه السياسة من غير تضارب وإنما بتناسق واطراد، ولا يمكن أن نعرف الاستراتيجيات التي ينوي إتباعها إلا من خلال الالتزامات التي يقدمها في خطاباته، وليس من مقدمات المدح والثناء وإيحاءات التسامح والانتماء. أعني بالتحديد ليس من خلال ما أثنى عليه من دور المسلمين في تمهيد الطريق أمام النهضة الأوروبية وعصر التنوير، ولا من خلال مدحه لروح الابتكار العلمية التي سادت المجتمعات الإسلامية ولمسلمي أمريكا، ولا من إيحاءات التسامح المحتملة من إشارة إلى أنه من أسرة كينية تشمل أجيالا من المسلمين أو الانتماء المكاني المؤقت بذكره استماعه إلى الأذان في السنوات التي قضاها في إندونيسيا.
ولنقف عند الالتزامات التي تحدد معالم سياسته الحالية واستراتيجياته المستقبلية سأتناول ما قدمه في خطابيه، خطابه أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية في يونيو 2008، وخطابه أمام العالم الإسلامي في يونيو 2008.
-
الالتزامات تجاه الدولة الصهيونية في خطابه الأول:
· قال بعد مهاجمته لحماس: "لا يوجد مكان على طاولة المفاوضات للمنظمات الإرهابية".
· وقال: "يجب على مصر أن تقضي على عمليات تهريب الأسلحة إلى غزة".
· وقال: "أي اتفاقية مع الفلسطينيين يجب أن تحترم هوية إسرائيل كدولة يهودية" ونلاحظ هنا بالإضافة لما هو ظاهر النص، الدعم لقيام دولة على أساس ديني من قبل رئيس ديموقراطي علماني.
· وقال: "القدس ستبقى عاصمة اسرائيل ولن تنقسم".
· وقال: "سوف أضمن أن إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها من أي تهديد".
· وقال: "تقديم 30 بليون دورلا في شكل مساعدات لإسرائيل خلال العقد القادم استثمارات لأمن إسرائيل".
· وقال: "وسوف نقوم بتصدير المعدات العسكرية إلى حليفنا إسرائيل".
-
الالتزامات تجاه العالم الإسلامي في خطابه الثاني:
أبدأ بأمر يحمد له، وهو قوله: أن يجعل من مسؤولياته التصدي "للصورة النمطية عن الإسلام أينما ظهرت".

· وقال: "يجب أن نعالج مشاكلنا بواسطة الشراكة كما يجب أن نحقق التقدم بصفة مشتركة". ولا يلزم من هذا التنازل لمصالح مشتركة وإنما نسبة التقدم في المصالح الأمريكية في المنطقة للشراكة العربية أو الإسلامية الأمريكية وليس لمجرد القوة والهيمنة الأمريكية على المنطقة. وما بعد هذا من تضليل.
-
· وقال: "وضعنا خطة لاستثمار 5ر1 مليار دولار سنويا على مدى السنوات الخمس القادمة لاقامة شراكة مع الباكستانيين لبناء المدارس والمستشفيات والطرق والمؤسسات التجارية".
· وقال: "قيامنا بتخصيص ما يربو على 8ر2 مليار دولار لمساعدة الافغان على تنمية اقتصادهم".
وهاتين النقطتين هما بصيغة أخرى:
خطة استثمار أمريكية مدنية مع الباكستانيين بمبلغ 6 بليون خلال خمس سنوات، ومساعدات للأفغان بمبلغ 2.8 بليون، في مقابل استثمارات ومساعدات عسكرية للعدو الصهيوني بملغ 30 بليون خلال عشر سنوات. وأتجاوز في هذه الحسبة عن المقارنة في عدد السكان والمساحة بين أفغانستان وباكستان مجتمعتين مع عدد السكان والمساحة في فلسطين المحتلة.
-
· وقال: "سحب القوات القتالية من المدن العراقية بحلول شهر يوليو وكذلك سحب جميع قواتنا بحلول عام 2012 سوف نساعد العراق على تدريب قواته الامنية وتنمية اقتصاده ولكننا سنقدم الدعم للعراق الامن والموحد بصفتنا شريكا له وليس بصفة الراعي". وهذا في رأيي ليس إلا أن أمريكا اكتفت من التكلفة الباهضة التي دفعتها في العراق.
-
وفي غضون حديثه عن التزامه الشخصي بالسعي لإحلال السلام والأمن في فلسطين من خلال حل الدولتين.
لم يلتزم إلا بإقرار إسرائيل لفلسطين بحق البقاء، وجعل أمر المستوطنات للمفاوضات، وهذا لا يتعارض أبدا مع ما التزم به أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية. وهذا ما أكده نتنياهو في خطابه الأخير من تأكيده على يهودية الدولة، ومراوغته في قوله أنهم لن يصادروا أراضٍ جديدة للمشاريع الاستيطانية، بعد تأكيده على أن ما يقوم به المستوطنون عملا مقدسا، إذن نتياهو سوف يشرع الاستيطان الجديد وتوسيع الحالي لكن ليس بمصادرة أملاك شخصية حالية، وإنما على حساب الأراضي العامة وأملاك الغائبين والمبعدين. ومطالباته كانت كالتالي:
· " يجب على الفلسطينيين أن يتخلوا عن العنف"، "على الفلسطينيين تركيز اهتمامهم على الاشياء التي يستطيعون انجازها"، "يجب على الاسرائيليين الاقرار بأن حق فلسطين في البقاء هو حق لا يمكن انكاره مثلما لا يمكن انكار حق اسرائيل في البقاء"، "لا نقبل مشروعية استمرار المستوطنات الاسرائيلية".
وفي رأيي لم يوصلنا لهذا إلا السياسة العربية الذليلة التي لا تملك خيارا حتى على مستوى الكلام إلا في خارطة الطريق، ولن تخرج بشيء في صالحها إلا بتطوير خيار استراتيجي يقوم على المواجهة إلى جانب خيار السلام المنطوية ظاهرا وباطنا عليه. ويضاف إلى ذلك إستغلال المطامع الأمريكية في الشرق الأوسط.
-
· وقال: "وينبغي على أية دولة بما في ذلك ايران أن يكون لها حق الوصول الى الطاقة النووية السلمية اذا امتثلت لمسؤولياتها بموجب معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية".
وهذا أمر جيد فرضه عليه قوة إيران وخطابها الذي كان واضحا بالتزامها تجاه شعبها ومصالحها، وهو ما نفتقده في خطابنا العربي الخاضع.
-
وأما فيما يتعلق بالديموقراطية ومصالح الشعوب وحريات الأديان فكلامه كان مجرد مواعظ.
-
وأما في مجال المرأة فقد قال:
· "سوف تعمل الولايات المتحدة مع أي بلد غالبية سكانه من المسلمين من خلال شراكة لدعم توسيع برامج محو الامية للفتيات". وهذا مجرد انفتاح موجود على الأرض وسابق ليس بجديد.
-
وفي مجال التعليم قال:
· "سوف نتوسع في برامج التبادل ونرفع من عدد المنح الدراسية".
· "وسوف نوفر للطلاب المسلمين الواعدين فرصا للتدريب في أمريكا وسوف نستثمر في سبل التعليم الافتراضي للمعلمين والتلاميذ في جميع أنحاء العالم".
ولا تخفى مصالح التغريب الثقافية وراء النقطتين السابقتين.
وقال: "وسوف أستضيف مؤتمر قمة لاصحاب المشاريع المبتكرة". وقال: "سوف نؤسس صندوقا ماليا جديدا لدعم التنمية والتطور التكنولوجي في البلدان التي يشكل فيها المسلمون غالبية". وهذه حسنة في صالحنا، ولن نختلف عليها إذا أخذناها بنظرة مجتزأة.
-
وختاما أعتقد أن كلا منكم يستطيع أن يكون رأيه من خلال هذا العرض المبسط، وأذكر بأن تكون نظرتنا كلية شمولية للعلاقات والمصالح. وأسأل الله أن يلهمنا الرشد والسداد.